الشهري
08-29-2008, 05:56 AM
التلفزيون
ام سمعان تقول.....الحرب على الابواب.....لازم اتحضر المونه.....الكاز.....الطحين.....
الاولاد راح يموتوا من الجوع اذا قامت الحرب اليوم او بكره........
ابو سمعان يهز راسه......توكلي على الله يا حرمه....انا بتابع الاخبار كل يوم....مفيش حرب...
كمان لا تنسي...... احنا احسن من غيرنا بكتير.....الحمد لله......
سمعان كان مبسوط على الكلام .....لان الحرب تعني اغلاق المدارس ......
سمعان يريد ان يصيع كعادته.......ما زال صغير......لكن المدارس في تلك الايام كانت مثل الهم على الاولاد....
............................
كان شهر رمضان....سمعان كان يذهب الى الساحه التي كان يوجد فيها مدفع رمضان......كان يذهب قبل موعد الافطار بساعتين او ثلاثه....كان المكان عباره عن ملتقى لكل اولاد البلد ....المدينه كانت صغيره....الاولاد يجتمعون هناك للعب.....
كانت لعبه السبع حجار هي الاكثر شهرة في تلك الفترة.....يستعملون فيها سبعه حجار مسطحه مثل البلاط....ويضربونها بالطابه...التي كانت تتكون من جربان قديم يملئووه بالخرق الباليه.....
في كثير من الاحيان كانت الالعاب بين الاولاد تتخللها المشاكل والعراكات....التي كانت تنتهي بشكل تلقائي عندما يسمعون صوت الشيخ من الجامع ....عندما يبدأ بالتسبيح.....كانت عبارة عن اشاره عن اقتراب موعد المدفع....او الافطار.....عندما ينتهي الشيخ من التسبيح.....ياتي الهدوء الكبير.....الجميع ينتظر صوت الأذان.....ابو مرعي يستعد لاطلاق قذيفه المدفع.....كان يحشوها بالخرق والاوراق والحجارة منذ ساعه من الزمن......ابو مرعي يستعد.....الشيخ يقول ....الله اكبر....الصمت ما زال على اعلى مستوياته.....ابو مرعي يشعل الفتيل.....الاولاد يستعدون .....منهم من يضع اصابعه في اذنيه ....صوت المدفع يدوي في كل ارجاء المدينه....الاولاد يبدأؤون بالصراخ والجري ...كل ولد نحو بيته.....سمعان كان الاسرع في الوصول الى بيته....لان بيته هو الاقرب عن مكان المدفع....
سمعان يدخل البيت مثل المجنون......
احيانا يجد له مكان على سفرة الطعام واحيانا اخرى لا يجد.....لان الاعداد كبيرة جدا.....احيانا تتجاوز العشرين شخصا.....سمعان ياخذ حصته من الطعام ويذهب الى درج البيت الخارجي.....كان درج طويل جداً يطل على شارع رئيسي في المدينه.....لا توجد حركة او اصوات في الشارع....السكون .....فقط صوت القطط....صوت الكلاب.....صوت سيارات الاحتلال......الهدوء يعم المكان .....كان الاجمل على الاطلاق.....كان سمعان يعتبرها من ارقى لحظات السنه .....بيت سمعان كان كبير جدا....يحتوي على ثمانيه غرف...وصالونات ضخمه في داخل البيت.....كان يقع في الطابق الثاني.....زجاج البيت كله كان مطلي باللون الازرق.....كانت اوامر من جيش الاحتلال.... المدينه كلها يجب ان تطلي زجاج بيتها باللون الازرق....بسبب الحرب....كانت حرب عام 1973.....
لان اللون الازرق يمنع العدو من تحديد مواقع المدن في الليل....والمخالف لهذا القانون كان يعاقب بشكل تعسفي.....
سمعان كان يستعمل النيله الزرقاء..... التي كانت امه تستعملها لغسيل الملابس لطلاء الزجاج.....واحياناً اخرى كان يستعمل الورق الازرق......
سمعان لا يخاف من قوات الاحتلال......ولا من الشرطة التي كانت تابعه لها....صحيح ان رجال الشرطة كانوا من السكان المحليين....لكن معظمهم كانوا من المتعاونين مع الاحتلال.....سمعان كان يعرفهم جيداً....لقد كان زائرهم قبل اسبوع .....
كان بيت سمعان يقع على تقاطع طرق كبير في وسط المدينه.....على الجهة الثانيه من الشارع....كان هناك تمثال الماني....عبارة عن صرح لطيار الماني سقطت طيارته هناك خلال الحرب العالمية الاولى....في وسط هذا الصرح كان هناك جناح للطياره التي سقطت...او انه كان عباره عن رمز للجناح فقط.....مكتوب على هذا الصرح كلمات باللغه الالمانيه....الكثير من الزوار الالمان كانوا ياتون كل عام لزيارته......في وسط هذا الصرح كانت هناك شجرة توت اسود....كانت لذيذه جدا.....كان سمعان يحبها كثيرا....كما كان سمعان والاولاد هناك يستعملون حبات التوت للكتابه على الجدران....لان لونها احمر غامق يميل الى السواد....كما ان الكتابه بالتوت على الجدران فيه الكثير من الميزات....لانه لا يزول بسهوله.....بل يبقى احيانا لمده عام كامل...على الرغم من المطر او الشمس....
سمعان كان لا يستطيع الوصول الى شجرة التوت الا عن طريق جناح الطائرة ....كان يتسلق على جناح الطياره لكي يستطيع الوصول الى شجرة التوت......على ما يبدو ان الجناح قد انتهى عمره في ذلك الوقت....لانه قد انكسر عندما حاول سمعان الصعود عليه.....المسكين خاف كثيراً.....هرب الى بيته للاختباء......الشرطه تبحث عنه في كل مكان.....امسكوه......انه يعرفهم جيدا....كما انهم يعرفونه اكثر ربما......لقد وبخوه هناك كما يفعلون كل مرة....جاء والده للتوقيع على اوراق ...تعهد بعدم الوصول مرة اخرى الى ذلك التمثال الالماني......
سمعان عاد الى البيت....لم يصدق عينيه......التلفزيون.....والده قد اشترى تلفزيون.....كانت اعداد التلفزيونات في تلك المدينه لا تتجاوز عدد اصابع البد......والده كان قد وعدهم منذ زمن بالتلفزيون......
سمعان كان يذهب كل يوم جمعه مع الاولاد والبنات في حارتهم الى بيت آل مقبل....لمشاهده التلفزيون....او الفلم العربي المصري ....بيت آل مقبل كان صغير جدا....لم يكن يتسع لهذه الاعداد من الاولاد والبنات.....كانوا يخرجون التلفزيون الى الساحه الخارجيه للبيت......
سمعان واخوته فتحوا الكرتونه....التلفزيون كان جديد.....والده اشتراه من حيفا......وضعوا السلك في الكهرباء...... ضغطوا على الزر الذي يضيء التلفزيون......التلفزيون اشتغل......تعالت الاصوات.....البيت كان مليء بالاولاد من كل مكان ......الجيران الكبار والصغار.....
لكن .....لم يشاهدوا شيء....لا شيء يظهر على الشاشه.....عملوا على تغيير القنوات....بدون نتيجه.....
الهدوء كان سيد الموقف....لا احد يتكلم......الجيران بدأؤوا بالانسحاب.....كل الناس غادروا البيت.....سمعان واخوته قرروا ان ينتظروا الليل.....لان المحطات ربما لا تفتح الا في الليل.....انتظروا كل الليل.....لا محطات....
في اليوم التالي....طلب سمعان المعونه من والد احد الاصدقاء.....كان يعمل في البلديه.....في قسم الكهرباء.....
دخل الى البيت ....عاين الموقف.....ثم ضحك.....قال الرجل....اعتقد انكم بحاجه الى انتين للتلفزيون......
ذهب سمعان الى السوق يبحث عن والده لكي يخبرة عن الانتين....لم يجد والده ....لقد سافر الى احدى المدن المجاورة....ذهب الى اخيه الكبير.....اشترى سمعان الانتين.....وقام هو واخوته بتركيبه.....التلفزيون قد اشتغل....المحطات بدأت بالظهور......
لقد كان اليوم الاول في حياة سمعان الجديده......السهر.....قله النوم......الاستغناء عن العديد من الاشياء الثمينه التي لم يعرف اهميتها الا بعد زمن طويل.....الالتقاء بالاهل والحديث معهم ....التعلم منهم ومن تجاربهم.....كانوا يجتمعون فعلا امام التلفزيون ....لكنهم لم يكونوا يتكلمون ....انما كان الكلام للتلفزيون فقط......
سمعان لغايه اليوم يحاول التخلص من التلفزيون....
لكنه لم يستطع............
ام سمعان تقول.....الحرب على الابواب.....لازم اتحضر المونه.....الكاز.....الطحين.....
الاولاد راح يموتوا من الجوع اذا قامت الحرب اليوم او بكره........
ابو سمعان يهز راسه......توكلي على الله يا حرمه....انا بتابع الاخبار كل يوم....مفيش حرب...
كمان لا تنسي...... احنا احسن من غيرنا بكتير.....الحمد لله......
سمعان كان مبسوط على الكلام .....لان الحرب تعني اغلاق المدارس ......
سمعان يريد ان يصيع كعادته.......ما زال صغير......لكن المدارس في تلك الايام كانت مثل الهم على الاولاد....
............................
كان شهر رمضان....سمعان كان يذهب الى الساحه التي كان يوجد فيها مدفع رمضان......كان يذهب قبل موعد الافطار بساعتين او ثلاثه....كان المكان عباره عن ملتقى لكل اولاد البلد ....المدينه كانت صغيره....الاولاد يجتمعون هناك للعب.....
كانت لعبه السبع حجار هي الاكثر شهرة في تلك الفترة.....يستعملون فيها سبعه حجار مسطحه مثل البلاط....ويضربونها بالطابه...التي كانت تتكون من جربان قديم يملئووه بالخرق الباليه.....
في كثير من الاحيان كانت الالعاب بين الاولاد تتخللها المشاكل والعراكات....التي كانت تنتهي بشكل تلقائي عندما يسمعون صوت الشيخ من الجامع ....عندما يبدأ بالتسبيح.....كانت عبارة عن اشاره عن اقتراب موعد المدفع....او الافطار.....عندما ينتهي الشيخ من التسبيح.....ياتي الهدوء الكبير.....الجميع ينتظر صوت الأذان.....ابو مرعي يستعد لاطلاق قذيفه المدفع.....كان يحشوها بالخرق والاوراق والحجارة منذ ساعه من الزمن......ابو مرعي يستعد.....الشيخ يقول ....الله اكبر....الصمت ما زال على اعلى مستوياته.....ابو مرعي يشعل الفتيل.....الاولاد يستعدون .....منهم من يضع اصابعه في اذنيه ....صوت المدفع يدوي في كل ارجاء المدينه....الاولاد يبدأؤون بالصراخ والجري ...كل ولد نحو بيته.....سمعان كان الاسرع في الوصول الى بيته....لان بيته هو الاقرب عن مكان المدفع....
سمعان يدخل البيت مثل المجنون......
احيانا يجد له مكان على سفرة الطعام واحيانا اخرى لا يجد.....لان الاعداد كبيرة جدا.....احيانا تتجاوز العشرين شخصا.....سمعان ياخذ حصته من الطعام ويذهب الى درج البيت الخارجي.....كان درج طويل جداً يطل على شارع رئيسي في المدينه.....لا توجد حركة او اصوات في الشارع....السكون .....فقط صوت القطط....صوت الكلاب.....صوت سيارات الاحتلال......الهدوء يعم المكان .....كان الاجمل على الاطلاق.....كان سمعان يعتبرها من ارقى لحظات السنه .....بيت سمعان كان كبير جدا....يحتوي على ثمانيه غرف...وصالونات ضخمه في داخل البيت.....كان يقع في الطابق الثاني.....زجاج البيت كله كان مطلي باللون الازرق.....كانت اوامر من جيش الاحتلال.... المدينه كلها يجب ان تطلي زجاج بيتها باللون الازرق....بسبب الحرب....كانت حرب عام 1973.....
لان اللون الازرق يمنع العدو من تحديد مواقع المدن في الليل....والمخالف لهذا القانون كان يعاقب بشكل تعسفي.....
سمعان كان يستعمل النيله الزرقاء..... التي كانت امه تستعملها لغسيل الملابس لطلاء الزجاج.....واحياناً اخرى كان يستعمل الورق الازرق......
سمعان لا يخاف من قوات الاحتلال......ولا من الشرطة التي كانت تابعه لها....صحيح ان رجال الشرطة كانوا من السكان المحليين....لكن معظمهم كانوا من المتعاونين مع الاحتلال.....سمعان كان يعرفهم جيداً....لقد كان زائرهم قبل اسبوع .....
كان بيت سمعان يقع على تقاطع طرق كبير في وسط المدينه.....على الجهة الثانيه من الشارع....كان هناك تمثال الماني....عبارة عن صرح لطيار الماني سقطت طيارته هناك خلال الحرب العالمية الاولى....في وسط هذا الصرح كان هناك جناح للطياره التي سقطت...او انه كان عباره عن رمز للجناح فقط.....مكتوب على هذا الصرح كلمات باللغه الالمانيه....الكثير من الزوار الالمان كانوا ياتون كل عام لزيارته......في وسط هذا الصرح كانت هناك شجرة توت اسود....كانت لذيذه جدا.....كان سمعان يحبها كثيرا....كما كان سمعان والاولاد هناك يستعملون حبات التوت للكتابه على الجدران....لان لونها احمر غامق يميل الى السواد....كما ان الكتابه بالتوت على الجدران فيه الكثير من الميزات....لانه لا يزول بسهوله.....بل يبقى احيانا لمده عام كامل...على الرغم من المطر او الشمس....
سمعان كان لا يستطيع الوصول الى شجرة التوت الا عن طريق جناح الطائرة ....كان يتسلق على جناح الطياره لكي يستطيع الوصول الى شجرة التوت......على ما يبدو ان الجناح قد انتهى عمره في ذلك الوقت....لانه قد انكسر عندما حاول سمعان الصعود عليه.....المسكين خاف كثيراً.....هرب الى بيته للاختباء......الشرطه تبحث عنه في كل مكان.....امسكوه......انه يعرفهم جيدا....كما انهم يعرفونه اكثر ربما......لقد وبخوه هناك كما يفعلون كل مرة....جاء والده للتوقيع على اوراق ...تعهد بعدم الوصول مرة اخرى الى ذلك التمثال الالماني......
سمعان عاد الى البيت....لم يصدق عينيه......التلفزيون.....والده قد اشترى تلفزيون.....كانت اعداد التلفزيونات في تلك المدينه لا تتجاوز عدد اصابع البد......والده كان قد وعدهم منذ زمن بالتلفزيون......
سمعان كان يذهب كل يوم جمعه مع الاولاد والبنات في حارتهم الى بيت آل مقبل....لمشاهده التلفزيون....او الفلم العربي المصري ....بيت آل مقبل كان صغير جدا....لم يكن يتسع لهذه الاعداد من الاولاد والبنات.....كانوا يخرجون التلفزيون الى الساحه الخارجيه للبيت......
سمعان واخوته فتحوا الكرتونه....التلفزيون كان جديد.....والده اشتراه من حيفا......وضعوا السلك في الكهرباء...... ضغطوا على الزر الذي يضيء التلفزيون......التلفزيون اشتغل......تعالت الاصوات.....البيت كان مليء بالاولاد من كل مكان ......الجيران الكبار والصغار.....
لكن .....لم يشاهدوا شيء....لا شيء يظهر على الشاشه.....عملوا على تغيير القنوات....بدون نتيجه.....
الهدوء كان سيد الموقف....لا احد يتكلم......الجيران بدأؤوا بالانسحاب.....كل الناس غادروا البيت.....سمعان واخوته قرروا ان ينتظروا الليل.....لان المحطات ربما لا تفتح الا في الليل.....انتظروا كل الليل.....لا محطات....
في اليوم التالي....طلب سمعان المعونه من والد احد الاصدقاء.....كان يعمل في البلديه.....في قسم الكهرباء.....
دخل الى البيت ....عاين الموقف.....ثم ضحك.....قال الرجل....اعتقد انكم بحاجه الى انتين للتلفزيون......
ذهب سمعان الى السوق يبحث عن والده لكي يخبرة عن الانتين....لم يجد والده ....لقد سافر الى احدى المدن المجاورة....ذهب الى اخيه الكبير.....اشترى سمعان الانتين.....وقام هو واخوته بتركيبه.....التلفزيون قد اشتغل....المحطات بدأت بالظهور......
لقد كان اليوم الاول في حياة سمعان الجديده......السهر.....قله النوم......الاستغناء عن العديد من الاشياء الثمينه التي لم يعرف اهميتها الا بعد زمن طويل.....الالتقاء بالاهل والحديث معهم ....التعلم منهم ومن تجاربهم.....كانوا يجتمعون فعلا امام التلفزيون ....لكنهم لم يكونوا يتكلمون ....انما كان الكلام للتلفزيون فقط......
سمعان لغايه اليوم يحاول التخلص من التلفزيون....
لكنه لم يستطع............