ملاك الكون
05-18-2008, 04:45 PM
وقتلت أخي "
أنهى " سامي " امتحان السنة الأولى المتوسطة بتفوق .. وقبل أن يعرف نتيجة امتحانه سأل والده قائلاً :
ما هي الهدية التي ستهديني إياها إذا نجحت هذا العام ؟"..
قال والدة بسعادة : عندما تحضر الشهادة وتكون ناجحاً سأوافق على سفرك مع خالك إلى الحبشة لتقضي إجازة الصيف هناك ..
لقد كان سامي أكبر الأولاد .. وقد أنجبته أمه بعد طول انتظار.. فنشأ بين والديه حبيباً مدللاً .. الجميع يسعون لإسعاده وتحقيق مطالبه وإدخال السرور على نفسه ..
لم ينم سامي تلك الليلة من الفرحة فقد كانت الأحلام الوردية تداعب مخيلته وفكره الطفولي البريء .. كيف لا ؟" .. وهو سيسافر لأول مرة إلى الحبشة وسيقضي فيها ثلاثة أشهر هي فترة الإجازة المدرسية .. وسيتمتع خلالها بكل جديد ..
وفي صباح اليوم الثالث لانتهاء أعمال الامتحانات .. خرج سامي بصحبة والده إلى المدرسة ليحضر الشهادة ..
غاب" سامي " داخل المدرسة دقائق .. بينما كان والده ينتظره في السيارة ..ثم عاد وهو يحمل الشهادة في يده .. وعلامات البشر تنطق من وجهه البريء .. وهو يهتف قائلاً : أبي " أبشرك لقد أخذت الترتيب الثاني على زملائي ..
ابتسامة عريضة سكنت على محيا والده .. وبدا الفرح جلياً في عينيه .. فحضنه الأب بفخر وفرح شديد وهو يقول :
ألف ألف مبارك يا سامي "".. بل مليون مبارك يا سندي ".. الحمد لله على توفيقه لك ..
وحان موعد السفر .. ودع سامي والديه وهو في غاية الزهو والسعادة .. وفي الطائرة التي ركبها سامي لأول مرة رأى علما جديداً .. ومتعة لم يتذوقها من قبل .. متعة فيها خليط من الخوف والبهجة معاً خصوصاً عندما سمع هدير الطائرة وهي تقلع عن أرض المطار لتحلق في الفضاء الواسع
..لقد كان كل شيء يشاهده و يسمعه جديداً بالنسبة له .. وشيئاً غريباً لم يألفه من قبل ..
وفي الحبشة رأى "سامي " بصحبة خاله عالماً جديداً آخر .. ومر هناك بعدة تجارب مثيرة .. وشاهد أشياء لم يشاهدها من قبل ..
ولكنه كان يلاحظ بين الفترة وأخرى .. وفي أوقات معينة أن خاله تنتابه حالة غريبة .. يضعف فيها جسده وتوازنه أحياناً .. يراه سعيداً ضاحكاً أحياناً .. ويراه في أحيان أخرى يتمتم بكلمات غير مفهومة "..
وتوصل سامي إلى السر في هذه التصرفات الغريبة .. إن خاله مدمن على شرب الخمر "..
ونمت في نفس سامي "غريزة "حب التقليد " .. ثم تحولت إلى رغبة في التجربة الفعلية .. فكان يحدث نفسه قائلاً :سأفعل مثله لأرى ما يحدث لي ؟" وبم يحس ؟" وكيف يكون سعيداً ؟"..
وشرب سامي الخمرة لأول مرة .. في البداية لم تعجبه .. ولكن رؤيته لخاله وحب التقليد الأعمى دفعاه إلى أن يجربها مرة وثنتين وثلاث حتى تعود عليها .. وأصبح مدمناً لها وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره ..
وانتهت فترة الإجازة وعاد سامي بصحبة خاله إلى جدة .. وكان تفكيره منصباً على كيفية الحصول على الخمر والتمكن من تناوله .. ولكنه لم يستطع الحصول عليه بسهولة .. فقرر في النهاية أن الامتناع عنه نهائياً هو الحل الوحيد للمحافظة على نفسه ومستقبله فهو ما يزال طفلاً .. كما أنه فعل مشين حرمه الله ووضع عقابا ًصارماً لفاعله ..
وعاد سامي إلى حياته الطبيعية ونسي الخمر ..ومرت عليه ثلاث سنوات دون أن يفكر في شربه..
وفي نهاية السنة الرابعة قرر أهله السفر إلى الخارج .. لقضاء عطلة الصيف في إحدى الدول الأوربية .. وهناك في تلك الدولة .. استيقضت الرغبة الكامنة في نفسه لشرب المسكر .. وتجددت ذكريات أيام الحبشة ..فمضى الشيطان يزين له شرب الخمر .. فكان سامي ينتهز فرصة غياب أهله للخروج .. أو وقت نومهم .. ليتناول الخمر خفية ..
واستمر على تلك الحال حتى أدمن الخمر من جديد .. وأصبح لديه كالماء لا يستغني عنه..
وفي إحدى الليالي خرج "سامي " مع " فوزي " ابن خاله .. لقضاء السهرة في إحدى النوادي الليلية الأوربية .. وجلسا معا يحتسيان الخمر بعد أن أكلا ما طاب لهما من الطعام .. وهما ينصتان للموسيقى الصاخبة ..
وبينما هما على تلك الحال إذ أخرج "فوزي " من جيبه قطعة صغيرة سوداء وأخذ يستنشقها بهدوء ولذة .. وكأنه يقبل طفلاًَ رضيعاً .. وكان بين آونة وأخرى يتمايل يميناً وشمالاً ..
سأله سامي في فضول : ما هذه القطعة ؟" .. ولماذا تفعل ذلك ؟" ..
فضحك فوزي وقال : ألا تعرف ما هي ؟" إنها الحشيشة السوداء " .. إنها قمة اللذة العارمة ..
قال سامي هل من المعقول أن هذه القطعة تفعل كل هذا ؟" ..
قال " فوزي " إن ما قلته لك هو جزء من الحقيقة .. وعليك أن تجرب حتى تعرف الحقيقة بنفسك ..خذ .. جرب ..
ومد يده إلى سامي بالحشيشة السوداء "..
تناول سامي الحشيشة وأخذ يستنشقها .. وانتقل معها إلى عالم آخر من الزيف والوهم والضياع ..
لم يكن سامي يعلم أن هذه الحشيشة الصغيرة ستكون له بالمرصاد.. وإنها موت يطرق بابه كل يوم .. ويهدد مستقبله وصحته ..
لم تمض أيام حتى أصبح سامي مدمناً للحشيش..
فانقلبت حياته وساءت صحته واعتل فكره بسببها .. ونفدت نقوده وانتهت من أجلها ..
وعندما أنهى سامي تعليمه وحصل على الوظيفة .. بدأ يشعر بكراهية للناس وحب للابتعاد عنهم .. لقد كان يشعر في قرارة نفسه أن الجميع يعرفون سره .. وأن أحدا لم يعد يثق به .. أصبح عصبي المزاج .. كثير الانطواء .. ومضت ثمانية عشر عاما وهو أسير حشيشته السوداء رغم تقلبه في عدة وظائف للحصول على راتب أكبر يساعده على مصاريف الحشيش .. وكثرت مشاكله حتى مع أهله ..
وكان " سامي " يحس في قرارة نفسه أنه بحار ضائع في بحر لا ساحل له.. ولا سبيل للنجاة منه ..
عزم سامي على أن يبوح بالسر لأحد أصدقائه الأعزاء لعله يجد عنده ما يخلصه من هذا الجحيم الذي لا يطاق 00
وبالفعل ذهب إلى أحد أصدقائه القدامى 00 استقبله صديقه بفرح كبير وعاتبه على انقطاعه عنه ..
وأخبر سامي صديقه بكل ما جرى ويجري معه بسبب هذه الحشيشة
السامة .. وطلب منه المساعدة في التخلص من هذه الحشيشة القاتلة .. ولما انهى سامي حديثه بادره صديقه قائلاً
عندي لك ما ينسيك كل آلامك ؟" فقط عليك أن تمد يدك وتغمض عينيك وتنتظر لحظات ..
قال سامي باستغراب : ما ذا تقول ؟" .. أنا في حالة سيئة لا تستدعي المزاح و السخرية منك ..
قال الصديق أنا لا أمزح .. افعل ما قلته لك وسترى النتيجة ..
مد سامي يده وأغمض عينيه .. فتناول ذاك الصديق عضده وحقنه بحقنة .. حين فتح سامي عينيه كان صديقه ( الناصح ) قد انتهى من تفريغ حقنة " الهيروين" في جسمه ..
ومع بداية حقنة الهيروين كانت بداية رحلة ألم وعذاب جديدة بالنسبة لسامي .. ومن يومها أدمن " سامي " على الهيروين ولم يعد يستغني عنه .. وكان حين يتركه يشعر بآلام تنخر عظامه لا سبيل إلى تحملها ..
وصرف " سامي " كل ما يصرفه على الهيروين واستدان من أهله وأصدقائه وهو لا يعلمون عن الحقيقة شيئاً .. بل ورهن بيته ..
وعندما ساءت حالته الصحية دخل المستشفى .. وخرج منه بعد فترة ليعود للإدمان من جديد ..
لقد دخل المستشفى أكثر من مرة ولكن دون جدوى ..
وفي ذات ليلة لم يستطع مقاومة الآلام في جسمه بسبب الحاجة إلى الهروين .. ولم يكن لديه مال ليشتري به هذا السم القاتل .. ولكن لا بد من تناول الهيروين هذه الليلة مهما كان الثمن .. وكان والده آنذاك مسافرا ً
وكانت تصرفات سامي في تلك الفترة يغلب عليها الطابع العدواني .. الذي أفقده آدميته وإنسانيته ..
وكانت تلك الليلة الحزينة ليلة مقمرة بعض الشيء .. فخرج سامي من غرفته وقد عزم على أمر ما .. لقد عزم على سرقة شيء من مجوهرات أمه ليشتري بها الهيروين .. فهو لم يعد يطيق عنه صبرا ..
تسلل سامي بهدوء إلى غرفة والدته .. فتح دولا بها .. سرق بعض مجوهراتها ليبيعها ويشتري بها الهيروين ..
استيقظت الأم على صوت الدولاب .. رأت شبحاً يتحرك فصرخت بكل قوتها حرامي .. حرامي ..
اتجه ناحيتها وهو ملثم.. وأقفل فمها الطاهر بيده الملوثة بالخطيئة .. ثم قذف بها على الأرض .. وقعت الأم على الأرض وهي مرتاعة هلعة .. وفر سامي هارباً خارج الغرفة ..
وفي تلك الأثناء خرج أخوه الأصغر على صوت أمه .. رأى شبح الحرامي فلحق به ليمسكه .. وبالفعل أمسكه ودخلا الاثنان في عراك وتدافع ..
لقد كانت اللحظات صعبة والموقف مريراً وعصبياً .. سينكشف أمر سامي لو أمسك به أخوه ..
وطعن سامي أخاه بالسكين في صدره ليتخلص منه ومن الفضيحة .. وفر هارباً بالمجوهرات ..
وكانت سيارة الشرطة تجوب الشارع في ذلك الوقت .. في دورية اعتيادية
فلا حظه الشرطي وهو يخرج من البيت مسرعاً .. يكاد يسقط على الأرض وفي يده علبة كبيرة .. فظنه لصاً .. فتمت مطاردته وألقي القبض عليه ..
نقل الابن الأصغر إلى المستشفى .. ولكنه فارق الحياة وأسلم الروح إلى بارئها متأثراً بتلك الطعنات الغادرة التي تلقاها جسده الطاهر من أقرب الناس إليه .. من أخيه الأكبر .. الذي طالما أكل معه وشرب معه ونام معه وضحك معه .. أهذا معقول ؟"
وعند فتح ملف التحقيق كانت المفاجأة المرة والحقيقة المذهلة .. المجرم السارق القاتل هو الابن "سامي " .. والضحية هما الأم والأخ .. والبيت المسروق هو بيتهم جميعاً ..
لم تحتمل الأم هذه المفاجاة والصدمة .. فسقطت مريضة على فراشها تذرف الدموع .. دموع الحسرة والندم والألم معا .. على ابنها " سامي " المدلل .. الذي ضاع مستقبله الدنيوي .. وأصبح في عيون الناس ابناً عاقاً ومجرماً ضائعاً ولصاً محترفاً ..
بكى سامي كثيراً .. وتألم وتحسر على ماضيه ..
لقد خسر كل شيء بسبب المخدرات ..
خسر دينه .. خسر وظيفته .. خسر صحته ..
خسر أسرته .. قتل أخاه .. خسر سمعته ..
نقل سامي إلى المستشفى للعلاج من الإدمان .. ولكنه مع ذلك سيظل متذكراً أنه قتل أخاه الأصغر .. وحطم حياته كلها بسبب المخدرات ..
أنهى " سامي " امتحان السنة الأولى المتوسطة بتفوق .. وقبل أن يعرف نتيجة امتحانه سأل والده قائلاً :
ما هي الهدية التي ستهديني إياها إذا نجحت هذا العام ؟"..
قال والدة بسعادة : عندما تحضر الشهادة وتكون ناجحاً سأوافق على سفرك مع خالك إلى الحبشة لتقضي إجازة الصيف هناك ..
لقد كان سامي أكبر الأولاد .. وقد أنجبته أمه بعد طول انتظار.. فنشأ بين والديه حبيباً مدللاً .. الجميع يسعون لإسعاده وتحقيق مطالبه وإدخال السرور على نفسه ..
لم ينم سامي تلك الليلة من الفرحة فقد كانت الأحلام الوردية تداعب مخيلته وفكره الطفولي البريء .. كيف لا ؟" .. وهو سيسافر لأول مرة إلى الحبشة وسيقضي فيها ثلاثة أشهر هي فترة الإجازة المدرسية .. وسيتمتع خلالها بكل جديد ..
وفي صباح اليوم الثالث لانتهاء أعمال الامتحانات .. خرج سامي بصحبة والده إلى المدرسة ليحضر الشهادة ..
غاب" سامي " داخل المدرسة دقائق .. بينما كان والده ينتظره في السيارة ..ثم عاد وهو يحمل الشهادة في يده .. وعلامات البشر تنطق من وجهه البريء .. وهو يهتف قائلاً : أبي " أبشرك لقد أخذت الترتيب الثاني على زملائي ..
ابتسامة عريضة سكنت على محيا والده .. وبدا الفرح جلياً في عينيه .. فحضنه الأب بفخر وفرح شديد وهو يقول :
ألف ألف مبارك يا سامي "".. بل مليون مبارك يا سندي ".. الحمد لله على توفيقه لك ..
وحان موعد السفر .. ودع سامي والديه وهو في غاية الزهو والسعادة .. وفي الطائرة التي ركبها سامي لأول مرة رأى علما جديداً .. ومتعة لم يتذوقها من قبل .. متعة فيها خليط من الخوف والبهجة معاً خصوصاً عندما سمع هدير الطائرة وهي تقلع عن أرض المطار لتحلق في الفضاء الواسع
..لقد كان كل شيء يشاهده و يسمعه جديداً بالنسبة له .. وشيئاً غريباً لم يألفه من قبل ..
وفي الحبشة رأى "سامي " بصحبة خاله عالماً جديداً آخر .. ومر هناك بعدة تجارب مثيرة .. وشاهد أشياء لم يشاهدها من قبل ..
ولكنه كان يلاحظ بين الفترة وأخرى .. وفي أوقات معينة أن خاله تنتابه حالة غريبة .. يضعف فيها جسده وتوازنه أحياناً .. يراه سعيداً ضاحكاً أحياناً .. ويراه في أحيان أخرى يتمتم بكلمات غير مفهومة "..
وتوصل سامي إلى السر في هذه التصرفات الغريبة .. إن خاله مدمن على شرب الخمر "..
ونمت في نفس سامي "غريزة "حب التقليد " .. ثم تحولت إلى رغبة في التجربة الفعلية .. فكان يحدث نفسه قائلاً :سأفعل مثله لأرى ما يحدث لي ؟" وبم يحس ؟" وكيف يكون سعيداً ؟"..
وشرب سامي الخمرة لأول مرة .. في البداية لم تعجبه .. ولكن رؤيته لخاله وحب التقليد الأعمى دفعاه إلى أن يجربها مرة وثنتين وثلاث حتى تعود عليها .. وأصبح مدمناً لها وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره ..
وانتهت فترة الإجازة وعاد سامي بصحبة خاله إلى جدة .. وكان تفكيره منصباً على كيفية الحصول على الخمر والتمكن من تناوله .. ولكنه لم يستطع الحصول عليه بسهولة .. فقرر في النهاية أن الامتناع عنه نهائياً هو الحل الوحيد للمحافظة على نفسه ومستقبله فهو ما يزال طفلاً .. كما أنه فعل مشين حرمه الله ووضع عقابا ًصارماً لفاعله ..
وعاد سامي إلى حياته الطبيعية ونسي الخمر ..ومرت عليه ثلاث سنوات دون أن يفكر في شربه..
وفي نهاية السنة الرابعة قرر أهله السفر إلى الخارج .. لقضاء عطلة الصيف في إحدى الدول الأوربية .. وهناك في تلك الدولة .. استيقضت الرغبة الكامنة في نفسه لشرب المسكر .. وتجددت ذكريات أيام الحبشة ..فمضى الشيطان يزين له شرب الخمر .. فكان سامي ينتهز فرصة غياب أهله للخروج .. أو وقت نومهم .. ليتناول الخمر خفية ..
واستمر على تلك الحال حتى أدمن الخمر من جديد .. وأصبح لديه كالماء لا يستغني عنه..
وفي إحدى الليالي خرج "سامي " مع " فوزي " ابن خاله .. لقضاء السهرة في إحدى النوادي الليلية الأوربية .. وجلسا معا يحتسيان الخمر بعد أن أكلا ما طاب لهما من الطعام .. وهما ينصتان للموسيقى الصاخبة ..
وبينما هما على تلك الحال إذ أخرج "فوزي " من جيبه قطعة صغيرة سوداء وأخذ يستنشقها بهدوء ولذة .. وكأنه يقبل طفلاًَ رضيعاً .. وكان بين آونة وأخرى يتمايل يميناً وشمالاً ..
سأله سامي في فضول : ما هذه القطعة ؟" .. ولماذا تفعل ذلك ؟" ..
فضحك فوزي وقال : ألا تعرف ما هي ؟" إنها الحشيشة السوداء " .. إنها قمة اللذة العارمة ..
قال سامي هل من المعقول أن هذه القطعة تفعل كل هذا ؟" ..
قال " فوزي " إن ما قلته لك هو جزء من الحقيقة .. وعليك أن تجرب حتى تعرف الحقيقة بنفسك ..خذ .. جرب ..
ومد يده إلى سامي بالحشيشة السوداء "..
تناول سامي الحشيشة وأخذ يستنشقها .. وانتقل معها إلى عالم آخر من الزيف والوهم والضياع ..
لم يكن سامي يعلم أن هذه الحشيشة الصغيرة ستكون له بالمرصاد.. وإنها موت يطرق بابه كل يوم .. ويهدد مستقبله وصحته ..
لم تمض أيام حتى أصبح سامي مدمناً للحشيش..
فانقلبت حياته وساءت صحته واعتل فكره بسببها .. ونفدت نقوده وانتهت من أجلها ..
وعندما أنهى سامي تعليمه وحصل على الوظيفة .. بدأ يشعر بكراهية للناس وحب للابتعاد عنهم .. لقد كان يشعر في قرارة نفسه أن الجميع يعرفون سره .. وأن أحدا لم يعد يثق به .. أصبح عصبي المزاج .. كثير الانطواء .. ومضت ثمانية عشر عاما وهو أسير حشيشته السوداء رغم تقلبه في عدة وظائف للحصول على راتب أكبر يساعده على مصاريف الحشيش .. وكثرت مشاكله حتى مع أهله ..
وكان " سامي " يحس في قرارة نفسه أنه بحار ضائع في بحر لا ساحل له.. ولا سبيل للنجاة منه ..
عزم سامي على أن يبوح بالسر لأحد أصدقائه الأعزاء لعله يجد عنده ما يخلصه من هذا الجحيم الذي لا يطاق 00
وبالفعل ذهب إلى أحد أصدقائه القدامى 00 استقبله صديقه بفرح كبير وعاتبه على انقطاعه عنه ..
وأخبر سامي صديقه بكل ما جرى ويجري معه بسبب هذه الحشيشة
السامة .. وطلب منه المساعدة في التخلص من هذه الحشيشة القاتلة .. ولما انهى سامي حديثه بادره صديقه قائلاً
عندي لك ما ينسيك كل آلامك ؟" فقط عليك أن تمد يدك وتغمض عينيك وتنتظر لحظات ..
قال سامي باستغراب : ما ذا تقول ؟" .. أنا في حالة سيئة لا تستدعي المزاح و السخرية منك ..
قال الصديق أنا لا أمزح .. افعل ما قلته لك وسترى النتيجة ..
مد سامي يده وأغمض عينيه .. فتناول ذاك الصديق عضده وحقنه بحقنة .. حين فتح سامي عينيه كان صديقه ( الناصح ) قد انتهى من تفريغ حقنة " الهيروين" في جسمه ..
ومع بداية حقنة الهيروين كانت بداية رحلة ألم وعذاب جديدة بالنسبة لسامي .. ومن يومها أدمن " سامي " على الهيروين ولم يعد يستغني عنه .. وكان حين يتركه يشعر بآلام تنخر عظامه لا سبيل إلى تحملها ..
وصرف " سامي " كل ما يصرفه على الهيروين واستدان من أهله وأصدقائه وهو لا يعلمون عن الحقيقة شيئاً .. بل ورهن بيته ..
وعندما ساءت حالته الصحية دخل المستشفى .. وخرج منه بعد فترة ليعود للإدمان من جديد ..
لقد دخل المستشفى أكثر من مرة ولكن دون جدوى ..
وفي ذات ليلة لم يستطع مقاومة الآلام في جسمه بسبب الحاجة إلى الهروين .. ولم يكن لديه مال ليشتري به هذا السم القاتل .. ولكن لا بد من تناول الهيروين هذه الليلة مهما كان الثمن .. وكان والده آنذاك مسافرا ً
وكانت تصرفات سامي في تلك الفترة يغلب عليها الطابع العدواني .. الذي أفقده آدميته وإنسانيته ..
وكانت تلك الليلة الحزينة ليلة مقمرة بعض الشيء .. فخرج سامي من غرفته وقد عزم على أمر ما .. لقد عزم على سرقة شيء من مجوهرات أمه ليشتري بها الهيروين .. فهو لم يعد يطيق عنه صبرا ..
تسلل سامي بهدوء إلى غرفة والدته .. فتح دولا بها .. سرق بعض مجوهراتها ليبيعها ويشتري بها الهيروين ..
استيقظت الأم على صوت الدولاب .. رأت شبحاً يتحرك فصرخت بكل قوتها حرامي .. حرامي ..
اتجه ناحيتها وهو ملثم.. وأقفل فمها الطاهر بيده الملوثة بالخطيئة .. ثم قذف بها على الأرض .. وقعت الأم على الأرض وهي مرتاعة هلعة .. وفر سامي هارباً خارج الغرفة ..
وفي تلك الأثناء خرج أخوه الأصغر على صوت أمه .. رأى شبح الحرامي فلحق به ليمسكه .. وبالفعل أمسكه ودخلا الاثنان في عراك وتدافع ..
لقد كانت اللحظات صعبة والموقف مريراً وعصبياً .. سينكشف أمر سامي لو أمسك به أخوه ..
وطعن سامي أخاه بالسكين في صدره ليتخلص منه ومن الفضيحة .. وفر هارباً بالمجوهرات ..
وكانت سيارة الشرطة تجوب الشارع في ذلك الوقت .. في دورية اعتيادية
فلا حظه الشرطي وهو يخرج من البيت مسرعاً .. يكاد يسقط على الأرض وفي يده علبة كبيرة .. فظنه لصاً .. فتمت مطاردته وألقي القبض عليه ..
نقل الابن الأصغر إلى المستشفى .. ولكنه فارق الحياة وأسلم الروح إلى بارئها متأثراً بتلك الطعنات الغادرة التي تلقاها جسده الطاهر من أقرب الناس إليه .. من أخيه الأكبر .. الذي طالما أكل معه وشرب معه ونام معه وضحك معه .. أهذا معقول ؟"
وعند فتح ملف التحقيق كانت المفاجأة المرة والحقيقة المذهلة .. المجرم السارق القاتل هو الابن "سامي " .. والضحية هما الأم والأخ .. والبيت المسروق هو بيتهم جميعاً ..
لم تحتمل الأم هذه المفاجاة والصدمة .. فسقطت مريضة على فراشها تذرف الدموع .. دموع الحسرة والندم والألم معا .. على ابنها " سامي " المدلل .. الذي ضاع مستقبله الدنيوي .. وأصبح في عيون الناس ابناً عاقاً ومجرماً ضائعاً ولصاً محترفاً ..
بكى سامي كثيراً .. وتألم وتحسر على ماضيه ..
لقد خسر كل شيء بسبب المخدرات ..
خسر دينه .. خسر وظيفته .. خسر صحته ..
خسر أسرته .. قتل أخاه .. خسر سمعته ..
نقل سامي إلى المستشفى للعلاج من الإدمان .. ولكنه مع ذلك سيظل متذكراً أنه قتل أخاه الأصغر .. وحطم حياته كلها بسبب المخدرات ..